هل أنتَ بشرٌ ؟
هل أنتَ بشرٌ ؟ أعني هل تصنع
غيمةً أم أن غيمةً تصنعك ؟ أتعبــئ أنفاسك في قواريرَ بيضاءَ بيدين من حكايةٍ،
وتنثرها فيها، وتقدّمها هديةً لشلّالات الكائنات، وهل تحب أن يقف شيءٌ أمامك
ناصباً حاجبيه جاعِلَك واقعاً فيك؟
أترغبُ في النّجاةِ مِنَ المذبحةِ
وحيداً، مع أن مشيتَك ووقفتَك لا تدلُّان على ذلك, وكلُّ نقطةٍ فيكَ تدعو العامةَ إلى
الحرب, لكنَّك تريد النجاة ؟
أتحمل قلبَكَ إلى المعركة، مع أنَّ
التعليماتِ تحرِّم ذلك, وتخبـئ صورتَها في الجيب الذي لا يراهُ أحد, وتضمن أن يدَكَ
تصل إلى الجيبِ بأسرعِ غَزلٍ ممكن؟
هل تقطع الصحراءَ زاحفاً بلا
بدايةٍ, وتحمل صبراً تعتقده عظيماً, راجياً الصحراءَ أن تعطيَك من مائها، ثم تتعب
فتيأس فتسوء وتهبط، فتجد الله يغسل رأسك بالماء ؟!
أتستغرب من نفسكَ كيف صبرت أو كيف
انتصرت ؟
أتقول إن اقتربت الغيوم وذابت
السماء:" ابتعدي يا غيوم, لا أريد غيثاً, الغيث موجود في داخلي"؟ ومع الوقت
يحترق غيثك، وتتعزز الغيوم تعززَّ الغيوم .
أتبني منزلك على هاجس في هاجس آخر،
وتربي ثمراتك بأرقٍ منك؟ تسهر على التراب، وتؤصّل ما ورثت، أتخاف كثيراً أم تخاف كثيراً ؟
أتقطع المسافات الطويلة بدعوىً
منك أنك ستفعل ما لا يفعل, ومع الوقت تبدو كاذباً, هل في قلبكَ من رياءٍ قليل أو
كثير ؟
هل تضيف على الكواكب في مجلسين
مختلفين, وتختلف إضافتك في المجلس الأول عنه في الآخر, ربما لأنك تتقن علم الكواكب
جيداً؟
هل تخبئ صدرك في صدرك، وتُدخل
قلبك في جراحةٍ كلَّ يوم، هل تأكل نفسك كما بقية البشر، وهل ترى قلبك يمشي أمامك ؟
تقرّب عدد الموتى لأقرب عشرةٍ، وتنسى
أنهم موتى، هم موتى، وتتكلم ببرودٍ عن الموتى، وتنسى أنهم موتى!
تكره عناد ابنك، وطلباته غير
الكثيرة، وإن راح في الغارة, تصير أكثر طفولة منه, وتترك ذقنك غير محلوقة لأن أهل
الحق –الذين لم تتبعهم- يفعلون ذلك، وتستعد لأن تقبّل عناده كله, وتمطره بالأشياء
الجميلة, لكنه راح في الغارة, راح, وتقول : إن رفض َكوب الحليب في الليل، أشربه
أنا عشر أكواب, أو أصبّه على رأسي حتى يرضى ابني أو يضحك, لكنه راح، تفتقده وتتفقده،
وتلعن لعنتك نفسها، مع أنك كنت تطرده وتلعنه, فقط ربما لأنه أراد دفتراً للمدرسة. وتقول
له وأنت تحمل رأسه الهامدة بيد من قلب: عُد يا طفلُ من الموت، وكن عنيداً هذه
المرة كما تشاء، فقط عُدْ .
هل تدّعي الشعر، فتصير شاعراً،
فتكتب قصيدة في فقير، وإذا مررت بجانبه تتجاهله؟
،تمشي في بيتِك القديم، وتجلس في
نفسك، تضع يدك على خدك، وتديم النظر في وجهِ أمِّك، تشعر أن لا وجهاً كوجهها .
تغرقها بالغزل والضحك، تذخرك بالخبز والمعطف والدعاء،ثم أنت تختلف وتسوء ويصبح
نهارُ وجهك ليلاً، وتذوب أنتَ تذوب، هل أنت بشر ؟
تؤمن دائماً أنك الصواب الكبير،
وتنادي من أجل صوابك، لكنَّ داخلَ داخلك يؤمن بأنك شجرةٌ للخطأ .
أتدور حول من لا يدور حولك، أتعلم
أنّك شمس للكثيرين، وأنك لا تدرك أبداً، لا تدرك الكثير أبداً، هل أنت بشرٌ ؟
No comments:
Post a Comment