Tuesday, November 4, 2014

"ضحكتُكِ"

ضحكتُكِ بلادٌ من الورودِ والأغنياتِ، والطفلات بفساتينَ حمراءَ وبيضاء، ضحكتك تلخصُّني، وتلمُّ الحكاياتِ والصباحات والمساءات الطويلة، لحبيبك، الذي يرتِّبُ علاقاتِه مع الأشياء بخوف النهار من الليل وتردُّدِ الأغنياتِ الراجفات، ويرتِّلُ اسمَكِ مع كلِّ بداية، الذي لا يرى يوماً بدونك، والذي لا ينامُ على وسادته الغيميةِ إلا ويقول بصوتٍ من حياة: أحبُّكِ، وأنتِ الجميلة، وبلادي الأولى والأخيرة، وأنتِ حقيبتي التي أخرجُ بها كلَّ يوم، وموتي الحيوي، وبدايتي قبلَ النهايةِ بساعتين، وهبوب ُالخيالِ في أرضِ الحقيقة، أنتِ الخيال واللاحقيقة.

ضحكتُكِ تفريغُ الناياتِ أفكارَها، وسردُ الرواةِ تفاسيرَهم للحياة، وسببٌ كافٍ للقبائلِ كلِّها لأن تعيش، ولقبولِ الكونِ الحياة على الأرض، ولغربلةِ البشريةِ إلى مراحلها، ولانكسار الأملِ ليتحوّلَ إلى شيءٍ أكبرَ منه بكثير، الأملُ صغيرٌ، وأنتِ أكبر، أنتِ أكبر. 

ضحكتُكِ بدايةُ صهيلِ الأفراح في يومٍ لم تمرُّ قبلَه حياة، ضحكتُكِ ذوبانُ المدى في وردة ٍوحيدة، وارتياحُ المدنِ في كفَّيك ِعلى كتفيكِ، وانتهاءُ كتمانِ المسافات، ضحكتُكِ خيبةٌ للشعراء.

ضحكتك وصولُ حضاراتٍ إلى أعلى ثقافاتها، من يسمعها يصعد في السماء ويجلس بجانب الشمس، ليقنع الطبيعة بملاكيتها، وليطلبَ من الملائكة أن ترعى الحب وتمنع الطبيعةَ من الاندثار، ضحكتك ترجعني كطفلٍ يغارُ على هداياه، ويُعجَبُ بأفكاره الأولى، وأنتِ هديةُ السماء، وقمرٌ يجلس على الطاولة بمعجزة يديك.

 وعن يدك، عن يدكِ التي تخلق طبيعة ممتدة إليَّ بمعجزاتها، وتأتي بمخاض الحقائق من جوفي، وباندهاشاتي السريعةِ كفعل الألوان كلها، فأنا أحبها، وأحبكِ، وأحبكِ ليس كحبي للناس، أحب الناسَ، وأحبكِ، كفرقٍ بين الولادة والموت.

ضحكتك لن تنتهي، وإن سكتت، فليست الحياة تنتهي بسهولة الموت، وليس مِن خُلُقِ الموت أن ينهيَ الوردةَ قبل أن تنضج، وليس من طبيعة القلوب أن تنسى فعلَ الإحياء وأسبابه، وإن روحاً داخلي تتلقى الضحكاتِ كنقشةٍ على حجر، كلوحةِ طفل أولى، فالطفلُ لا ينسى لوحتَه الأولى أبداً، وأنا أحبكِ.

ضحكتك لا تبدأ، فقد بدأت قبل أن أتعرّفَ على الموسيقى، ربما جاءت لإقناع الأكوان أن تتفجر، ولتبدأ الحياة بشكل منطقي، ولا يمكن التأكيد أبداً، مَن جاء أولاً: ضحكتك أم الحياة؟ 

وإن تهتُ يوماً، وأضعتُ نفسي، بحثت عنكِ فوجدتني عندك جميلاً وكبيراً، وأنا أحبكِ.

ضحكتك جميلةٌ، لأنها هي، أو أكثر من ذلك، مما لا يُدْرَك.

ضحكتك إبطالٌ لمعاني الحكايات، وجنونٌ للأئمة والنبلاء، وإنذاراتٌ للبدء قبل الرحيل، وضحكتك ليلٌ للحالمين، وخيلٌ تسيرُ من أجل السلام، وضحكتك غيمة تمسح المسافات، وخيمةٌ تُظِلُّ العابرين، وضحكتك نصٌ كهذا قد هلك من كثرة العطف، نص ٌقد هلك من كثرة العطف، فهجم عليه النقاد، 
لكنِّي أصفُكِِ، وأنا أُحِبُّكِ.

Sunday, July 27, 2014

يا الشهيد


انهارتْ القصيدةُ وصارت كلمةٌ تخرجُ من أيِّ بشرٍ بلا أيّ ترتيب أكبرَ من أيّ قصيدة، يا الشهيد، ما أحلى ملامحك!



لو أن جلدَكَ زيتٌ لنزلتُ عندكَ أشربُ وأغتسل، لفعلت، لو كانت أذنُك تسمع كما كانتْ، لصرختُ حتى تنقطع كل الأحبال: أحبُّكَ، لو أنَّكَ تعود، لأخذتُك وزرعتُ في كلِّ وجهكَ آلافَ القبلات، لو أنك تعود.

لو كان أنفُكَ يعمل، كما كان يعمل، لجعلتُك تشتمُّ جثثَنا ونحنُ أحياء، وتشتمُّ رائحةَ ملابسِكَ بعد رحيلك، ولتعلم أن قميصَك الورديّ الذي حرصتَ على نظافته دوماً، أصبح ممتلئاً بالدم، ظننتُ أنّك ستغضب، أليس الدمُ نظيفاً يا شهيد؟

لو كان لسانُكَ يعمل، كما كان يعمل، لسحبتُكَ، بكلِّ قوةٍ، وبلا مهاودة، لتأتي، لتقبّلَ حبيبَتَك، والتي كنتَ كلَّ شيءٍ لها، فأصبحتَ شيئاً في ثلاجةٍ غريبة عليها، كانت تريد يومها منك، وأرادت يدَك يدَها، وصدرَك حلمَها، وبسمتَك هدوءَها، وحاجبَك قصيدتَها، وصوتَك أغنيتَها، ووجهكَ شمسَها، والتي حلفتْ بعدك أنها ستمكث لياليها كلها وهي تدعو لك، لكنها لم تستطع أن تمكث ليلةً واحدة دون البكاء، كانت تحبٌّك، وحدك، أتدري ما معنى أنها تحبك، يا شهيد؟ 

لو كان لسانُكَ يعمل، لجعلتُكَ تلعق ملح دموع أمك، التي لم تعد تستطيع اللغة أن تتحدث عنها، لو كان.

لو كانت إحدى يديك تعمل، لذهبتُ مسرعاً إليها، وحضنتها كطفلٍ بلا خجل، لو كانت يدك تعمل، لسلَّمتُ عليكَ ألف مرة، ولظللت أبتسم في وجهك، كالمجنون، إلى أن ينهار وجهي من كثرة الابتسام، وأخبرك أني أحبك، يا الشهيد، أحبّك.
يا الشهيد، وكل يوم أمر من مدخل بيتك، أرى خيالك الرائع كثيراً، وأثر حذائك، وأبادل نفسي السلام، بدلاً من أن أقولها لك، في وجهك، ونحكي كثيراً، ونتأخر عن مواعيدنا، ونتمنى لكل منا الخير، وتذهب، نحن الآن لسنا بخير.

وباب بيتك الذي ينادي عليك بصوته ولكنهم لا يفقهون، ويتحسس نفسه، يسأل: أين أثر يديك من عليه، وأين أثر البلسم الذي كنت تتنفسه وتنشره وتعطيه لمن تعلم ولمن لا تعلم، وتنشر جمالك حراً في المدينة، وتعلن عن نواياك العظيمة جهراً، وتجعل أعداءك –إن وُجِدوا- يصفقون، ويقفزون من شدة الخوف، ثم إذا سئلنا: "من أحسنكم أخلاقاً؟" رفعنا رأسنا جميعاً، وابتسمنا، وجعلناك تتقدم، إنك أنت، أنت الأحسن والأهم والأعلى والأبقى والأول والآخر والشهيد.

يا الشهيد، هل إلى هذا الحد يمكن للإنسان أن يكون رائعاً؟

Saturday, June 28, 2014

بعضٌ مِنَ المدينة

بعضٌ من المدينة

اقترب ضوء، وقال رجل ضخم ذو يدين كبيرتين وناعمتين يخرج منهما شيء من غمام: حكايتنا شجرة بثماني أصابع، والمدفأة تربي البشريين على منضدة صماء، وأنتم يدٌ على شجرتنا تفتح في أفق الشمس والعائدين، قال الرجل: ستحمل أيديكم حقائب ورق قديم إلى انفجاره الأول، ونبتته المخضرمة، وتسحبنا إلى صهيل حصننا في بيوتٍ وردية حولها رائحة كينيا لا زالت موجودة كما يقول، هاتوا مفاتيح وجوهكم، وقدرة نسائكم، وربوا ثمراتكم على الهواء، عندها سيوهبكم الله المدن، سيمطركم بالعدم والبرتقال، ويُنْبِتُ من تحتكم زهوراً من دماء شديدة اللون اتفق على أنها لا تضيء زيتاً في إناء.

ارتفع السراب بسنتين فائضتين مع لوزٍ أبيضَ إلى أرض النهر، وقالت عصافير مألوفة اللون: لم نعد نعرف كيف نغني من أثر صراخ الرجل أو الرجال، لم تعد تقدر طيور مجتعة على غناء لحن وحيد، الصوت يمنعها، صوت وردة وحديد، صوت دم ونبيذ، وقالت أم بحنائها وحنانها: كيف تكون الوردة بلا لون، والحديث بلا معنى، والغيم بلا ماء، أنا هكذا، أم بلا طفل، وشجركم الكثير الذي تعتقدون أنه يمنحني الثمر خبؤوه في بيوتكم، لغتكم المتعبة احرقوها في النهر، وجوهكم تنقص من الصهيل، تصنعي أمامكم بلا معنى، وأنا أم، فماذا عسى يداك الناعمتان تفعلان لي، ضع نفسك مكاني، ولا تضع أبنائي في فلسفتك.
قال رجل لم يحقق حلماً واحداً: قُلبتُ على رأسي يوم ولدت، واجتمع الناس حولي، وحكايتي منذ ذلك اليوم لا زالت تنقلب، والناس يبتعدون، كأن حياتي مرآة تعكس النيران، رأيت أناساً من خارج الحدود، يعيشون مثل طفولتي في شجر أوقاتهم إلى حين رحيلهم الوردي، وأنا أعيش من قوت التعب، والتعب كمية محفوظة.
قال شاب في عمر الورد - كما يقال-: قُطِّعتْ أقدامي مع أني لا زلت أمشي بها، ونبت شعري من بعد حرقه، ويداي لم أخلعهما منذ زمن، وأنا أنا، شفتاي تقتربان من الموت، وجلدي في جهنم أرضية، أتنفس وأشعر أن أنفاسي بلا فائدة، أمشي لأقطع المسافات فأنقطع أنا، سنة تُقَبِّل شفة سنة أخرى، الأعضاء تورمت، وشجرة الرجل الضخم لا زالت تكبر.

قال طفل في غاية الجمال: ملامحي اختلفت عن البقية، وكثيرون يجتمعون حولي ليحكوا لي كلاماً لا أفهمه، ضلوعي في التصاق دائم مع الكاميرات، قميصي لبسه قبلي إخوتي العشرة، وكتابي لا أستطيع القراءة منه، فهو ممتلئ برسومات من كانوا قبلي، فأشعر أن ما عليّ فعله هو أن أستمر في الرسم، وما اكتشفته أيضاً أن المدينة هي العالم، وأن الآباء كثيراً يسافرون إلى الله، ولم يجلبوا الهدايا بعد.


قالت فتاة بلا رغبات: وجهي في ظلي، وقلبي يتعدى الآفاق، ويداي ترسمان أطفالاً كثر، وغنائي يكون، عندما يكون البحر على كتفي، لا أذكر آخر مرة رأيت فيها سنبلة مثلي، ولا أحداً يتقن الرقص كما أفهمه، وأغنياتي تكون مع المرآة البيضاء دوماً، شعري مساحات أحلام، وشعري رائع فعلاً، أتقن حفظ الوصية، وألفُّ البلادَ وشاحاً على رقبتي، وأمسح الليل في خدي، كل هذا عندي دون أن يعلمه أحد، وما زلت غير متأكدة في الفرق بين الحبِّ والمحبة، الحبُّ أم المحبة؟


Wednesday, February 26, 2014

        سرطان
صار سريرُكِ الفرديُّ فارغاً، في آخرِ المنزل، السريرُ فارغٌ، في الزاويةِ الجميلة، السريرُ فارغٌ أقول، وأنا لا أفتئٌ أتساءل، ما الذي جعلَكِ تغادرينه في زاويةِ البيت، هل ذهبْتِ إلى العملِ كعادتكِ، أم أنّكِ الآنَ تجلبين لنا الأشياءَ الكثيرة، أم أنتِ الآنَ مختبئةٌ في مطبخِنا الضيّقِ الجميل تحضرين الأرزَّ والدفءَ الكبير، أم هل علي أن أصدّقَهم أنكِ أنتِ في المشفى الآن؟  المشفى البعيدِ أقول، الذي لا يُجدي حتَّى أن أتمنّى زيارتَكِ فيه، المشفى البعيدِ الذي يفصلُني عنهُ وعنكِ مدينتان وقمرٌ، هل أنتِ في المشفى فعلاً؟
أتساءلُ لماذا لما صرتُ أعود إلى البيت، أجري ببسمةٍ لا تظهر، أجري  في البيتِ لأبحثَ لا إرادياً عنكِ، لأقبّلكِ قبلتين، فأجدُ الحكايةَ فارغةً من الحكاية، ووسادتُكِ تنتظرك، تنتظركِ الوسادة، وينتظرُك البيتُ، والكتب، والجدران، وبوابات البيت، والصور، والمفتاح، والجرس، والملابسُ تنتظركِ.
 أتساءلُ لماذا صِرنا نخرجُ أنا وأبي بسيارتِنا، أبي يقود، وأنا أجلسُ مكانَكِ، في الكرسيِّ الأماميّ، وأرى الطريقَ طويلاً جداً، والأبوابُ جميعاً تخدعُني بأنني سأصيرُ أسطورةَ الصمود، خداعٌ كبير، صحيح نسيتُ أن أخبرَكِ أعمدةَ النورِ في الشارعِ تسلِّمُ عليكِ، والسورُ من حولِنا يريدُ أن يبتلعَ الأرضَ سائلاً : أينكِ ؟
أتساءل لِمَ الفستانُ الأخضرُ الذي لطالما أحببْتُ أن أراكِ فيه، لم صار مُعلَّقاً، محتضناً الهباء، معلِّقاً روحي بجانبه تماماً، أنا متأكدٌ أنَّ روحي معلقةٌ بجانبِ الفستانِ هناك.
ولماذا لما أنظر مِنَ الشّباكِ إلى السماءِ كعادتي، أتساءل لِمَ صارتْ السماءُ شاحبةً واضيقتْ الأرض؟ لعلّكِ هنا فتصيرُ الأرضُ حضارةً، ويتنفس الصباحُ فعلاً.
لِمَ صارَ وجهكِ القمريُّ قمرين، وصار خدُّكِ الواسعُ حديقتين، ولِمَ أدركتُ المعنى الحقيقيَّ للطيفِ في غيابِك، والطريق منِّي إليكِ كطريقي إلى الشمس، مع أنَّه يفصلُنا سياج ؟
وأنتِ تدخلين المشفى، تشكينا كم خوفاً وقف في ليل وجهك، وتشكين نارَ وجودِ الهواء، وفي غرفةِ السكون، تصيرُ الحقيقةُ سمراءَ، وتُنْتَزَعُ النارُ فجأة، وتنزلق الطبيعةُ إلى جوفٍ في قلبٍ يتلون بالبرد،

وتبرد الوجنتان الحمراوان، تبرد مع أن درجة الغرفة تساوي الأربعين، وكل شيء يشير إلى حقيقةٍ أن حرارة الحب مستقلة تماماً عن حرارة الغرفة وعن مناخ البلاد.
وما هذه الأجهزة المتطورة السوداء التي تحمل الحديد الفضي اللامع تماماً لتضعه في لحم بشر؟ أسنانها الحديدية هي أنياب كما قال ابن أختي ذو السنتين، لقد صدق. هي ليست متطورة كما يقال، هي مؤلمة جداً، كيف تكون متطورةً، وهي تؤلم بشكل كبير؟ تقطع نسيجاً وسياجاً بكل هدوء، وتقتل الجسد كله في جزءٍ من الثانية، هكذا قال جميع المرضى.
عند غرفة السكون، فمك الكبير والمشرق والواسع يصير خطاً صغيراً مستقيماً، شادَّاً حاجبيكِ ومخرباً ترتيبهما، فأقول: هل يكفي ذلك لوصف الخوف؟
والكرسي الأسود المريح ذو الجودة العالية، في غرفة السكون، يصير جهنمَ ببساطة، كمن يجلس على كتلة من الجثث.  في المشفى، العامة يرون الكرسي مريحاً، من يجلس عليه يشعره موتاً يدخل في عمق شديد.
العامة يرون الغرفة مصنوعة من حجر، من يدخلها يراها مدينة من الأشباح.
من ينظر إلى التجربة من بعيدٍ يكن كافراً بها، من يدخل التجربة يصبح أكبر المؤمنين.
مضطرٌ لأن أقول، لن تفيد نظرتك المستمرة للسقف، لكن ربما ترين فيها أبناءكِ في منتصف اللليل، أو قد ترين في السقف أبناءك يلوحون، بينما هم في البيت يلوحون فعلاً.
وما كيس الدواء هذا الذي يمتلئ بثلاثين علبة دواء، كان دواءً واحداً، كيف صاروا ثلاثين؟ لقد عددتهم البارحة، وأنا أغني الأغاني جميعها، الأغاني التي تعلمناها معاً في غياب النور، ووقوفي بحضرة وجودك. فأطالبك الآن بأن تنسي جميع الأوراق البيضاء التي تصل إليكِ التي تفيد بأن كريات الدم البيضاء في هبوط، والمناعة تنعدم، والشفتان تصبحان في سواد، واليد اليمنى تكبر جداً، والليل الغجري المغزول يموت، لكن قلبي بجانبك على السرير في لفة بيضاء،  ومن أعراضه أيضاً: أن أطفالك يجتمعون حولكِ كثيراً.

في رثاء "أحمد فؤاد نجم"



.يا النجم، جفناك حائران، وقلبُكَ ثائر، يدُكَ قبضةٌ للصّوتِ، جبينك أبيض، ونومك ساتر

لو أنَّ الرثاةَ علموا أنَّ هناك أشخاصاً أقوى من الموت، وأنَّ أعمدةً خضراءَ تتشابكُ في هواءِ وجودك، والمطرُ حولَك يغزلُ بعضَ الشّباب، لعَلِموا، أنتَ أكبرُ من فكرةِ الموت.
لم يمُتْ أحد، رصاصُكَ في العودِ يعود، وبقايا جفافِ وجهِك تنثرُ قمحاً للميادين، ومرآتُكَ تعكس رؤيةَ الأرضِ في أبنائها، ونجمُكَ يسكبُ الليلَ على الخائفين، وكلامك يطير كالحمام، وما أنتَ إلا أنت، تريد السلام
.تَشقُّقُ حكاياتِك خريطةٌ للأبناء، وجلابيتُكَ البيضاء قصةٌ قصيرةٌ عن البلاد
يا البهيّة، حبيبُك ذَهَب، في عنقكِ، أغنيةُ الفرحةِ في قلبكِ، يمسحُ الغطاءَ عن الشمس -مع أنها شمس_، ويرتّب أسطورةَ حفل زفافكِ، أراد الطرحة بيضاء، وهو يقول بصوتٍ من حجر: الموت قراري، لن أذهب لأطيب الخواطر، لن أودع من حولي، الموت قراري، ولن أموت حتى أرى بهية بالطرحة البيضاء، لا الحمراء، وأرى الورد كثيراً، وأبنائي كثر، وإن متُّ يوماً، بعدها، سيكون الموت قراري

ورغم كبرك، كلامك أكبر، وحركة يدك الضعيفة تصفع الرياح، وتنبت في ترتبتك بذوراً ترسم ما سيأتي، وأنت الفقير، وكلهم
أغنياء، وأنت الضعيف، وهم أقوياء، ياللمفاجأة، لم أرَ شاعراً غيرك

يا البهية، مع أن جزءاً منك ذهب إلى الله اليوم، لم يمت أحد


Tuesday, February 25, 2014

هل أنتَ بشرٌ ؟

هل أنتَ بشرٌ ؟ أعني هل تصنع غيمةً أم أن غيمةً تصنعك ؟ أتعبــئ أنفاسك في قواريرَ بيضاءَ بيدين من حكايةٍ، وتنثرها فيها، وتقدّمها هديةً لشلّالات الكائنات، وهل تحب أن يقف شيءٌ أمامك ناصباً حاجبيه جاعِلَك واقعاً فيك؟
أترغبُ في النّجاةِ مِنَ المذبحةِ وحيداً، مع أن مشيتَك ووقفتَك لا تدلُّان على ذلك, وكلُّ نقطةٍ فيكَ تدعو العامةَ إلى الحرب, لكنَّك تريد النجاة ؟
أتحمل قلبَكَ إلى المعركة، مع أنَّ التعليماتِ تحرِّم ذلك, وتخبـئ صورتَها في الجيب الذي لا يراهُ أحد, وتضمن أن يدَكَ تصل إلى الجيبِ بأسرعِ  غَزلٍ ممكن؟
هل تقطع الصحراءَ زاحفاً بلا بدايةٍ, وتحمل صبراً تعتقده عظيماً, راجياً الصحراءَ أن تعطيَك من مائها، ثم تتعب فتيأس فتسوء وتهبط، فتجد الله يغسل رأسك بالماء ؟!
أتستغرب من نفسكَ كيف صبرت أو كيف انتصرت ؟
أتقول إن اقتربت الغيوم وذابت السماء:" ابتعدي يا غيوم, لا أريد غيثاً, الغيث موجود في داخلي"؟ ومع الوقت يحترق غيثك، وتتعزز الغيوم تعززَّ الغيوم .
أتبني منزلك على هاجس في هاجس آخر، وتربي ثمراتك بأرقٍ منك؟ تسهر على التراب، وتؤصّل ما ورثت،  أتخاف كثيراً أم تخاف كثيراً ؟
أتقطع المسافات الطويلة بدعوىً منك أنك ستفعل ما لا يفعل, ومع الوقت تبدو كاذباً, هل في قلبكَ من رياءٍ قليل أو كثير ؟
هل تضيف على الكواكب في مجلسين مختلفين, وتختلف إضافتك في المجلس الأول عنه في الآخر, ربما لأنك تتقن علم الكواكب جيداً؟ 
هل تخبئ صدرك في صدرك، وتُدخل قلبك في جراحةٍ كلَّ يوم، هل تأكل نفسك كما بقية البشر، وهل ترى قلبك يمشي أمامك ؟
تقرّب عدد الموتى لأقرب عشرةٍ، وتنسى أنهم موتى، هم موتى، وتتكلم ببرودٍ عن الموتى، وتنسى أنهم موتى!
تكره عناد ابنك، وطلباته غير الكثيرة، وإن راح في الغارة, تصير أكثر طفولة منه, وتترك ذقنك غير محلوقة لأن أهل الحق –الذين لم تتبعهم- يفعلون ذلك، وتستعد لأن تقبّل عناده كله, وتمطره بالأشياء الجميلة, لكنه راح في الغارة, راح, وتقول : إن رفض َكوب الحليب في الليل، أشربه أنا عشر أكواب, أو أصبّه على رأسي حتى يرضى ابني أو يضحك, لكنه راح، تفتقده وتتفقده، وتلعن لعنتك نفسها، مع أنك كنت تطرده وتلعنه, فقط ربما لأنه أراد دفتراً للمدرسة. وتقول له وأنت تحمل رأسه الهامدة بيد من قلب: عُد يا طفلُ من الموت، وكن عنيداً هذه المرة كما تشاء، فقط عُدْ .
هل تدّعي الشعر، فتصير شاعراً، فتكتب قصيدة في فقير، وإذا مررت بجانبه تتجاهله؟
،تمشي في بيتِك القديم، وتجلس في نفسك، تضع يدك على خدك، وتديم النظر في وجهِ أمِّك، تشعر أن لا وجهاً كوجهها .

تغرقها بالغزل والضحك، تذخرك بالخبز والمعطف والدعاء،ثم أنت تختلف وتسوء ويصبح نهارُ وجهك ليلاً، وتذوب أنتَ تذوب، هل أنت بشر ؟

تؤمن دائماً أنك الصواب الكبير، وتنادي من أجل صوابك، لكنَّ داخلَ داخلك يؤمن بأنك شجرةٌ للخطأ .

أتدور حول من لا يدور حولك، أتعلم أنّك شمس للكثيرين، وأنك لا تدرك أبداً، لا تدرك الكثير أبداً، هل أنت بشرٌ ؟