Sunday, July 27, 2014

يا الشهيد


انهارتْ القصيدةُ وصارت كلمةٌ تخرجُ من أيِّ بشرٍ بلا أيّ ترتيب أكبرَ من أيّ قصيدة، يا الشهيد، ما أحلى ملامحك!



لو أن جلدَكَ زيتٌ لنزلتُ عندكَ أشربُ وأغتسل، لفعلت، لو كانت أذنُك تسمع كما كانتْ، لصرختُ حتى تنقطع كل الأحبال: أحبُّكَ، لو أنَّكَ تعود، لأخذتُك وزرعتُ في كلِّ وجهكَ آلافَ القبلات، لو أنك تعود.

لو كان أنفُكَ يعمل، كما كان يعمل، لجعلتُك تشتمُّ جثثَنا ونحنُ أحياء، وتشتمُّ رائحةَ ملابسِكَ بعد رحيلك، ولتعلم أن قميصَك الورديّ الذي حرصتَ على نظافته دوماً، أصبح ممتلئاً بالدم، ظننتُ أنّك ستغضب، أليس الدمُ نظيفاً يا شهيد؟

لو كان لسانُكَ يعمل، كما كان يعمل، لسحبتُكَ، بكلِّ قوةٍ، وبلا مهاودة، لتأتي، لتقبّلَ حبيبَتَك، والتي كنتَ كلَّ شيءٍ لها، فأصبحتَ شيئاً في ثلاجةٍ غريبة عليها، كانت تريد يومها منك، وأرادت يدَك يدَها، وصدرَك حلمَها، وبسمتَك هدوءَها، وحاجبَك قصيدتَها، وصوتَك أغنيتَها، ووجهكَ شمسَها، والتي حلفتْ بعدك أنها ستمكث لياليها كلها وهي تدعو لك، لكنها لم تستطع أن تمكث ليلةً واحدة دون البكاء، كانت تحبٌّك، وحدك، أتدري ما معنى أنها تحبك، يا شهيد؟ 

لو كان لسانُكَ يعمل، لجعلتُكَ تلعق ملح دموع أمك، التي لم تعد تستطيع اللغة أن تتحدث عنها، لو كان.

لو كانت إحدى يديك تعمل، لذهبتُ مسرعاً إليها، وحضنتها كطفلٍ بلا خجل، لو كانت يدك تعمل، لسلَّمتُ عليكَ ألف مرة، ولظللت أبتسم في وجهك، كالمجنون، إلى أن ينهار وجهي من كثرة الابتسام، وأخبرك أني أحبك، يا الشهيد، أحبّك.
يا الشهيد، وكل يوم أمر من مدخل بيتك، أرى خيالك الرائع كثيراً، وأثر حذائك، وأبادل نفسي السلام، بدلاً من أن أقولها لك، في وجهك، ونحكي كثيراً، ونتأخر عن مواعيدنا، ونتمنى لكل منا الخير، وتذهب، نحن الآن لسنا بخير.

وباب بيتك الذي ينادي عليك بصوته ولكنهم لا يفقهون، ويتحسس نفسه، يسأل: أين أثر يديك من عليه، وأين أثر البلسم الذي كنت تتنفسه وتنشره وتعطيه لمن تعلم ولمن لا تعلم، وتنشر جمالك حراً في المدينة، وتعلن عن نواياك العظيمة جهراً، وتجعل أعداءك –إن وُجِدوا- يصفقون، ويقفزون من شدة الخوف، ثم إذا سئلنا: "من أحسنكم أخلاقاً؟" رفعنا رأسنا جميعاً، وابتسمنا، وجعلناك تتقدم، إنك أنت، أنت الأحسن والأهم والأعلى والأبقى والأول والآخر والشهيد.

يا الشهيد، هل إلى هذا الحد يمكن للإنسان أن يكون رائعاً؟