Wednesday, September 16, 2020

حِوارٌ مع عاشقٍ ما

- عذراً، من أنت؟

- أنا الرقمُ المكسورُ

خانةُ الصفرِ على اليسار

وليلٌ طويلٌ

دونما نهار.
 

- ماذا تعني لكَ النجوم؟

- نَمَشٌ على وجهِ السماء،

عيونٌ مُعَلَّقةٌ في الأبدية

وأصدقاءُ الطفولةِ الأعزاء.


- ماذا يعني لكَ القمر؟

- رفيقٌ دائمٌ أخبِرُهُ عن الحب،

يَسْمعُني دائماً، ويشبهُ وجهَهَا جداً.


- ماذا تعني لكَ السماء؟

-حضنٌ كبيرٌ بلا نهاية،

وأمانٌ هادئٌ

لِمَن لا أرضَ له.


-ما هي أحاديثُكم أنتَ وأصدقاءَك؟

-  نجلسُ على جبالٍ من التجارب

أمامَ البحرِ والليل

هو يتحدَّثُ عن الحب

أنا أتحدَّثُ عن الحب

يا لها من ورطة

يبدو أنه حُبٌ إلى الأبد!


- ماذا ستكتبُ عندَ رحيلك؟

- هذه الروح عَرِفت الحُبَّ يوماً،

خلال مسيرتِهِا في الحياة،

ماتَ وما زالَ قلبُهُ منفوخاً بالحب.



- وما هي أكبرُ أحلامِك الكبرى؟

- أن أكون فكرةً في رأسِها.


- ما هو ماؤكَ المفضل؟

- ماءُ الحكمةِ من الينابيعِ الموجودةِ

في عيونِ حبيبتي.


- من سيسافرُ مَعَكَ في رحلةِ الضَوْءِ من الحياة؟

-ظِلِّي، وأنا، وظلّها.


- هل ستطيران كما اتفقتما؟

- جناحي وحده لا يحلِّق.


- ما هي اللغةُ يا صديقي؟

- هي محاولةُ البشرِ حديثَهُم عن الحب.

 

- ما هي كذبتُكَ التي تكرِّرُها دائماً؟

- أن الحريةَ أحلى من الحب.
 

-مخالفة:

- أين قلبُكَ، يبدو أنَّك تسير بدونه؟

- آه، اعذُرْني،

نسيتُه عندها بينما كُنَّا على غيمةٍ

وأخذتْهُ معَها عندما رحلَتْ

إلى بيتِها الجديد.


- ما رأيكَ أيها الغياب بأن نصبحَ أصدقاء؟

- الغياب: موافق، ولكن بشرط ألا نلتقي.

-



-كم مرةً أخطر في بالك؟

- ستون مرةً في الثانية،

وستون ساعةً في الدقيقة

وثلاثمائة وخمسة وستون عاماً في اليوم!


- كم صورةً تحتفظ لي؟

- لا أريد أن أمتلك ألفَ صورةٍ لكِ،

صورةٌ واحدةٌ لكِ في البال تكفي .

- تعالي نكُنْ عنصريَنْ في الطبيعة.

-وكيف ذلك؟

- أنتِ وردة، وأنا عصفور.


- ما رأيكِ بهدية الورود؟

-صورةٌ نمطيةٌ مزعجةٌ عن هدايا العشاق،

أعتقدُ أن الورد صار شيئاً مملاً،

ولكني،

سأفرح به كثيراً.


- ما رأيكِ بأن نستبدلَ أعيننا،

فتصبح عيناي عندكِ، وعيناكِ عندي؟

- فكرةٌ رائعةٌ

كمحاولةٍ عاجلةٍ

لإنهاء الشوق.


"- ماذا عساكَ أن تفعل، الكتابُ أمامَكَ، وأنا؟

- سأنسى ما أقرؤه، وسيقعُ الكتابُ -كإشارةٍ-،

ستنزلق يدي من على الطاولة،

وأمكثُ وقتي بالتأملِ، حتماً، بك."


-) سأكونُ لكِ حينما يكون العالم ثقيلاً على كتفك

- أنتَ العالم، لن تكون ثقيلاً على كتفي.)

- ما هي اللغةُ يا حبيبتي؟

- هي محاولاتُ الكائناتِ قولَهم "أحبك".


Saturday, April 4, 2020

البحث عن وردة




غرفتي حائطُها ممتليءٌ بالورود، لكنَّ لا وردةً في قلبي، لا وردةً عليّ، يدُكِ الحديقةُ، صارت تنبتُ أكثرَ في أرضٍ بعيدة، لا سماءَ تمدُّ يديها، لا أرضَ تحملني، ذهبتُ إلى محطةِ القطار، عسى أن أسافرَ إلى لونٍ يؤدي إليك، فسارَ القطارُ عليَّ
.

حاولتُ أن أطير -كما كنا نفعل-، لكنَّ جناحي وحدَه لا يحلق، حاولتُ أن أعومَ في البحر، كي أرى ظِلَّكِ في الماء، فكرتُ في ألواننا، عربشتُ في الهواء، جلستُ تحت الشمس، كفكفتُ يديَّ أمامَ النار، مسحتُ على وجوه المرضى، ابتسمتُ للأطفال، ثم بعدَ كلِّ هذا، لم يكن هنالك إلا الهباء.
فتَّشْتُ في الشوارع، طريقاً طريقاً، نظرتُ إلى ساعةِ يدي ملايين المرات، وانتظرتُ في الميادين، واقفاً والرملُ يلفحُ وجهي.

لقد وجدتُ الحديقةَ التي اتفقنا على أن نسيرَ فيها معاً، أينَكِ إذن؟ وأين قبعةُ القش؟ أين الجيتارة التي سنحملها دون أن نجيدَ العزفَ عليها؟ وأين الفستانُ الأحمر الذي اتفقنا أنه لا تحكمه اللغة؟ أين الشمسُ الذهبيةُ تعانقُ نمشَكِ؟ أين الريح، تحملنا الريح، تمرجحنا الريح؟ وأن نطير، دون أن يكونَ للزمانِ أو المكانِ قيمةٌ، ثم نصبح كلانا عنصرين في الطبيعة: أنتِ وردة وأنا عُصفور.

ثم إن لم يكن كلُّ هذا، إذن: أيني أنا من على هذه الأرض؟

لِيلِيت يزورها الليل


(1)
كان على ليليت أن تحيا لساعتينِ إضافيتين.
(2)
وهو يندفعُ نحوَها، أخفى ملامِحَهُ بشيءٍ من السراب، وأظهرَ لها ابتسامةً، كي لا يُغضِبَ السماءَ منه.
(3)
نَظَرتْ مُودِّعةً إلى جثَّتِها الهادئة، وابتسمَتْ ابتسامتَها الأخيرةَ كي تخدعَ الوقت.
(4)
دعاها إلى ساحةٍ بيضاءَ بلا نهاية، إلى حفلةِ عشاءٍ على طاولةٍ في حافة الكون، هيَّأَ لها هاويةَ منسَّقةَ الترتيب، وأحبَّها، متناسياً خطيئةَ قتلِها، لعلَّ الموتَ ليس بشِعاً كما نعتقد.

Tuesday, March 24, 2020

طفلٌ ينتظرُ هديّةَ الميلاد

ألبسُ كلَّ ما لديَّ من لونٍ أحمر على أنني بابا نويل، أنظرُ إلى أضواء الشوارعِ علَّها تعطيني الدفء، أقفُ أمامَ المرايا وأسير، دون قصدٍ باحثاً عن أملٍ ضيَّعَهُ أحدٌ في الطرقات، لم أدرك يوماً أنَّ لي هدفاً جاء بي إلى هنا، ولا أذكر أبداً أنَّني قصدتُ شيئاً من قبل.

تدفعني الرياحُ إلى عكسِ الطريق الذي أريد، الطريق الذي لم أكن أعرف سيأخذُني إلى أين، أحاولُ أن أمسِكَ زخاتِ المطر، وأفرحُ بها كثيراً، ولكن، لم يكنْ هناك من أحدٍ هنا ليحذِّرَني من البلل.

تدفعني الرياحُ، كأيِّ شيءٍ في الدنيا، تدفعُني عكسَ ما أريد، فأروح أفرحُ بها، أعتبرُها هديةً من السماء، ومفارقةً أتخيَّلُ الرياحَ أنها رفيقتي، وأنها تتمشَّى معي.

صديقي الوحيد أخذتهُ الطائرات، قالوا لي أنَّه مسافرٌ، انتظرتُهُ كثيراً، ولكنَّه لم يَعُدْ بعد.

قطعةٌ من الكرتون هي سريري المريح، وصلابةُ الأرض تمرِّنُ عضلاتي على القوة، غطائي هو أخي، البحرُ هو تلفازنا، وخزانتي هي الرمل.

أقفُ أمامَ النوافذِ المغلقة، أرى أطفالاً يأكلون الحلوى ويعدُّون ما كان لديهم من الدمى، لا يفصلُني عن ذلك غيرُ نافذةٍ من الحظ.كانت خدودُ الأطفال تحمرُّ كلما أخذوا قُبلةً أخرى، وأنا ذو الخد الأصفر الشاحب دائماً، والريحُ الباردةُ تصفعُ خَدِّي.
لم أكن أعرفُ أن عليَّ أن أكونَ في بيت، كان الشارعُ هو العالم، وكان البردُ هو الأمر العادي، والعَتمةُ هي ضوئي الوحيد.

عبَرتُ من البحرِ إلى البحر، سافرتُ إلى بلدٍ في السماء عندما قفزتُ متراً واحداً إلى الأعلى.

صنعتُ جولةً في المدينة بأن رحتُ إلى شوارعَ لم أكن أعرفها، ولكنِّي لم أجد أحداً غير ظِلِّي.

أحبُّ ظلِّي كثيراً، هو وحده من يشاركني الطريق، وهو من يقول لي الحقيقةَ دون خجل: الحياةُ سوداء ومائلة.

أسيرُ وأسيرُ في الطرقات، أُهدي المارَّةَ الابتساماتِ والنداءات، كأنَّ صوتي معجزةٌ لا يسمعه أحد.

أرجو النجومَ أن تعطيَني قليلاً من الدفء، أتخيّل أصابعي عيدانَ كبريت، أضُمُّ يدي على نفسِها وأكحتُها بالأخرى، ألتصقُ بزاويةٍ في رصيف الشارع، أتحايلُ على الحيطان، تعالَ يا دفء، تعالَ يا دفء، تعالَ يا دفء، أبى أن يزورني الدفءُ ولو مرةً، حتى قررتُ أن أزورَهُ أنا، فأضرمتُ النيرانَ في نفسي.