سرطان
صار سريرُكِ الفرديُّ فارغاً، في آخرِ المنزل،
السريرُ فارغٌ، في الزاويةِ الجميلة، السريرُ فارغٌ أقول، وأنا لا أفتئٌ أتساءل،
ما الذي جعلَكِ تغادرينه في زاويةِ البيت، هل ذهبْتِ إلى العملِ كعادتكِ، أم أنّكِ
الآنَ تجلبين لنا الأشياءَ الكثيرة، أم أنتِ الآنَ مختبئةٌ في مطبخِنا الضيّقِ
الجميل تحضرين الأرزَّ والدفءَ الكبير، أم هل علي أن أصدّقَهم أنكِ أنتِ في المشفى
الآن؟ المشفى البعيدِ أقول، الذي لا يُجدي
حتَّى أن أتمنّى زيارتَكِ فيه، المشفى البعيدِ الذي يفصلُني عنهُ وعنكِ مدينتان
وقمرٌ، هل أنتِ في المشفى فعلاً؟
أتساءلُ لماذا لما صرتُ أعود إلى
البيت، أجري ببسمةٍ لا تظهر، أجري في
البيتِ لأبحثَ لا إرادياً عنكِ، لأقبّلكِ قبلتين، فأجدُ الحكايةَ فارغةً من
الحكاية، ووسادتُكِ تنتظرك، تنتظركِ الوسادة، وينتظرُك البيتُ، والكتب، والجدران،
وبوابات البيت، والصور، والمفتاح، والجرس، والملابسُ تنتظركِ.
أتساءلُ لماذا صِرنا نخرجُ أنا وأبي بسيارتِنا،
أبي يقود، وأنا أجلسُ مكانَكِ، في الكرسيِّ الأماميّ، وأرى الطريقَ طويلاً جداً،
والأبوابُ جميعاً تخدعُني بأنني سأصيرُ أسطورةَ الصمود، خداعٌ كبير، صحيح نسيتُ أن
أخبرَكِ أعمدةَ النورِ في الشارعِ تسلِّمُ عليكِ، والسورُ من حولِنا يريدُ أن
يبتلعَ الأرضَ سائلاً : أينكِ ؟
أتساءل لِمَ الفستانُ الأخضرُ
الذي لطالما أحببْتُ أن أراكِ فيه، لم صار مُعلَّقاً، محتضناً الهباء، معلِّقاً
روحي بجانبه تماماً، أنا متأكدٌ أنَّ روحي معلقةٌ بجانبِ الفستانِ هناك.
ولماذا لما أنظر مِنَ الشّباكِ
إلى السماءِ كعادتي، أتساءل لِمَ صارتْ السماءُ شاحبةً واضيقتْ الأرض؟ لعلّكِ هنا
فتصيرُ الأرضُ حضارةً، ويتنفس الصباحُ فعلاً.
لِمَ صارَ وجهكِ القمريُّ قمرين،
وصار خدُّكِ الواسعُ حديقتين، ولِمَ أدركتُ المعنى الحقيقيَّ للطيفِ في غيابِك،
والطريق منِّي إليكِ كطريقي إلى الشمس، مع أنَّه يفصلُنا سياج ؟
وأنتِ تدخلين المشفى، تشكينا كم خوفاً وقف في ليل وجهك، وتشكين نارَ وجودِ الهواء، وفي غرفةِ السكون، تصيرُ الحقيقةُ سمراءَ، وتُنْتَزَعُ النارُ فجأة، وتنزلق الطبيعةُ إلى جوفٍ في قلبٍ يتلون بالبرد،
وأنتِ تدخلين المشفى، تشكينا كم خوفاً وقف في ليل وجهك، وتشكين نارَ وجودِ الهواء، وفي غرفةِ السكون، تصيرُ الحقيقةُ سمراءَ، وتُنْتَزَعُ النارُ فجأة، وتنزلق الطبيعةُ إلى جوفٍ في قلبٍ يتلون بالبرد،
وتبرد الوجنتان الحمراوان، تبرد
مع أن درجة الغرفة تساوي الأربعين، وكل شيء يشير إلى حقيقةٍ أن حرارة الحب مستقلة
تماماً عن حرارة الغرفة وعن مناخ البلاد.
وما هذه الأجهزة المتطورة السوداء التي تحمل الحديد الفضي اللامع تماماً لتضعه في لحم بشر؟ أسنانها الحديدية هي أنياب كما قال ابن أختي ذو السنتين، لقد صدق. هي ليست متطورة كما يقال، هي مؤلمة جداً، كيف تكون متطورةً، وهي تؤلم بشكل كبير؟ تقطع نسيجاً وسياجاً بكل هدوء، وتقتل الجسد كله في جزءٍ من الثانية، هكذا قال جميع المرضى.
عند غرفة السكون، فمك الكبير والمشرق والواسع يصير خطاً صغيراً مستقيماً، شادَّاً حاجبيكِ ومخرباً ترتيبهما، فأقول: هل يكفي ذلك لوصف الخوف؟
والكرسي الأسود المريح ذو الجودة العالية، في غرفة السكون، يصير جهنمَ ببساطة، كمن يجلس على كتلة من الجثث. في المشفى، العامة يرون الكرسي مريحاً، من يجلس عليه يشعره موتاً يدخل في عمق شديد.
العامة يرون الغرفة مصنوعة من حجر، من يدخلها يراها مدينة من الأشباح.
من ينظر إلى التجربة من بعيدٍ يكن كافراً بها، من يدخل التجربة يصبح أكبر المؤمنين.
مضطرٌ لأن أقول، لن تفيد نظرتك المستمرة للسقف، لكن ربما ترين فيها أبناءكِ في منتصف اللليل، أو قد ترين في السقف أبناءك يلوحون، بينما هم في البيت يلوحون فعلاً.
وما كيس الدواء هذا الذي يمتلئ بثلاثين علبة دواء، كان دواءً واحداً، كيف صاروا ثلاثين؟ لقد عددتهم البارحة، وأنا أغني الأغاني جميعها، الأغاني التي تعلمناها معاً في غياب النور، ووقوفي بحضرة وجودك. فأطالبك الآن بأن تنسي جميع الأوراق البيضاء التي تصل إليكِ التي تفيد بأن كريات الدم البيضاء في هبوط، والمناعة تنعدم، والشفتان تصبحان في سواد، واليد اليمنى تكبر جداً، والليل الغجري المغزول يموت، لكن قلبي بجانبك على السرير في لفة بيضاء، ومن أعراضه أيضاً: أن أطفالك يجتمعون حولكِ كثيراً.
وما هذه الأجهزة المتطورة السوداء التي تحمل الحديد الفضي اللامع تماماً لتضعه في لحم بشر؟ أسنانها الحديدية هي أنياب كما قال ابن أختي ذو السنتين، لقد صدق. هي ليست متطورة كما يقال، هي مؤلمة جداً، كيف تكون متطورةً، وهي تؤلم بشكل كبير؟ تقطع نسيجاً وسياجاً بكل هدوء، وتقتل الجسد كله في جزءٍ من الثانية، هكذا قال جميع المرضى.
عند غرفة السكون، فمك الكبير والمشرق والواسع يصير خطاً صغيراً مستقيماً، شادَّاً حاجبيكِ ومخرباً ترتيبهما، فأقول: هل يكفي ذلك لوصف الخوف؟
والكرسي الأسود المريح ذو الجودة العالية، في غرفة السكون، يصير جهنمَ ببساطة، كمن يجلس على كتلة من الجثث. في المشفى، العامة يرون الكرسي مريحاً، من يجلس عليه يشعره موتاً يدخل في عمق شديد.
العامة يرون الغرفة مصنوعة من حجر، من يدخلها يراها مدينة من الأشباح.
من ينظر إلى التجربة من بعيدٍ يكن كافراً بها، من يدخل التجربة يصبح أكبر المؤمنين.
مضطرٌ لأن أقول، لن تفيد نظرتك المستمرة للسقف، لكن ربما ترين فيها أبناءكِ في منتصف اللليل، أو قد ترين في السقف أبناءك يلوحون، بينما هم في البيت يلوحون فعلاً.
وما كيس الدواء هذا الذي يمتلئ بثلاثين علبة دواء، كان دواءً واحداً، كيف صاروا ثلاثين؟ لقد عددتهم البارحة، وأنا أغني الأغاني جميعها، الأغاني التي تعلمناها معاً في غياب النور، ووقوفي بحضرة وجودك. فأطالبك الآن بأن تنسي جميع الأوراق البيضاء التي تصل إليكِ التي تفيد بأن كريات الدم البيضاء في هبوط، والمناعة تنعدم، والشفتان تصبحان في سواد، واليد اليمنى تكبر جداً، والليل الغجري المغزول يموت، لكن قلبي بجانبك على السرير في لفة بيضاء، ومن أعراضه أيضاً: أن أطفالك يجتمعون حولكِ كثيراً.