Saturday, June 28, 2014

بعضٌ مِنَ المدينة

بعضٌ من المدينة

اقترب ضوء، وقال رجل ضخم ذو يدين كبيرتين وناعمتين يخرج منهما شيء من غمام: حكايتنا شجرة بثماني أصابع، والمدفأة تربي البشريين على منضدة صماء، وأنتم يدٌ على شجرتنا تفتح في أفق الشمس والعائدين، قال الرجل: ستحمل أيديكم حقائب ورق قديم إلى انفجاره الأول، ونبتته المخضرمة، وتسحبنا إلى صهيل حصننا في بيوتٍ وردية حولها رائحة كينيا لا زالت موجودة كما يقول، هاتوا مفاتيح وجوهكم، وقدرة نسائكم، وربوا ثمراتكم على الهواء، عندها سيوهبكم الله المدن، سيمطركم بالعدم والبرتقال، ويُنْبِتُ من تحتكم زهوراً من دماء شديدة اللون اتفق على أنها لا تضيء زيتاً في إناء.

ارتفع السراب بسنتين فائضتين مع لوزٍ أبيضَ إلى أرض النهر، وقالت عصافير مألوفة اللون: لم نعد نعرف كيف نغني من أثر صراخ الرجل أو الرجال، لم تعد تقدر طيور مجتعة على غناء لحن وحيد، الصوت يمنعها، صوت وردة وحديد، صوت دم ونبيذ، وقالت أم بحنائها وحنانها: كيف تكون الوردة بلا لون، والحديث بلا معنى، والغيم بلا ماء، أنا هكذا، أم بلا طفل، وشجركم الكثير الذي تعتقدون أنه يمنحني الثمر خبؤوه في بيوتكم، لغتكم المتعبة احرقوها في النهر، وجوهكم تنقص من الصهيل، تصنعي أمامكم بلا معنى، وأنا أم، فماذا عسى يداك الناعمتان تفعلان لي، ضع نفسك مكاني، ولا تضع أبنائي في فلسفتك.
قال رجل لم يحقق حلماً واحداً: قُلبتُ على رأسي يوم ولدت، واجتمع الناس حولي، وحكايتي منذ ذلك اليوم لا زالت تنقلب، والناس يبتعدون، كأن حياتي مرآة تعكس النيران، رأيت أناساً من خارج الحدود، يعيشون مثل طفولتي في شجر أوقاتهم إلى حين رحيلهم الوردي، وأنا أعيش من قوت التعب، والتعب كمية محفوظة.
قال شاب في عمر الورد - كما يقال-: قُطِّعتْ أقدامي مع أني لا زلت أمشي بها، ونبت شعري من بعد حرقه، ويداي لم أخلعهما منذ زمن، وأنا أنا، شفتاي تقتربان من الموت، وجلدي في جهنم أرضية، أتنفس وأشعر أن أنفاسي بلا فائدة، أمشي لأقطع المسافات فأنقطع أنا، سنة تُقَبِّل شفة سنة أخرى، الأعضاء تورمت، وشجرة الرجل الضخم لا زالت تكبر.

قال طفل في غاية الجمال: ملامحي اختلفت عن البقية، وكثيرون يجتمعون حولي ليحكوا لي كلاماً لا أفهمه، ضلوعي في التصاق دائم مع الكاميرات، قميصي لبسه قبلي إخوتي العشرة، وكتابي لا أستطيع القراءة منه، فهو ممتلئ برسومات من كانوا قبلي، فأشعر أن ما عليّ فعله هو أن أستمر في الرسم، وما اكتشفته أيضاً أن المدينة هي العالم، وأن الآباء كثيراً يسافرون إلى الله، ولم يجلبوا الهدايا بعد.


قالت فتاة بلا رغبات: وجهي في ظلي، وقلبي يتعدى الآفاق، ويداي ترسمان أطفالاً كثر، وغنائي يكون، عندما يكون البحر على كتفي، لا أذكر آخر مرة رأيت فيها سنبلة مثلي، ولا أحداً يتقن الرقص كما أفهمه، وأغنياتي تكون مع المرآة البيضاء دوماً، شعري مساحات أحلام، وشعري رائع فعلاً، أتقن حفظ الوصية، وألفُّ البلادَ وشاحاً على رقبتي، وأمسح الليل في خدي، كل هذا عندي دون أن يعلمه أحد، وما زلت غير متأكدة في الفرق بين الحبِّ والمحبة، الحبُّ أم المحبة؟